قصة المتة .. من كتاب : أصول شرب المتة للعلامة ” أبو الحسن الأرجنتيني” 

0

قصة المتة من كتاب : أصول شرب المتة للعلامة ” أبو الحسن الأرجنتيني” 
سياحة
لاشك أن مشروب المتة يعد من أشهر المشروبات الساخنة في سوريا بعد الشاي مباشرة ، بل ذهب بعضهم الى أنها تنافس الشاي ، وقد تحتل المرتبة الأولى في البلاد خصوصا بعد تداعيات الثورة السورية سنة ٢٠١١ .
وتعد المتة مشروبا مقدسا وأساسيا في الجلسات والسهرات الطويلة ، والتي يحلو فيها الحديث والسّمر ، فيجتمع الأقارب  والأحباب والأصدقاء حول عدّة المتة :  ( مصاصات – كؤوس صغيرة – متة – ابريق ماء ساخن ) فتفتح القلوب وتشرح الصدور ويطول الحديث بأنواعه وألوانه .
تاريخ المتة :
يروي العلامة الطرطوسي الملقب ب” أبو حسن الأرجنتيني ” في كتابه ” أصول شرب المتة ” رحلة اغترابه في أواخر الدولة العثمانية ومغامراته البحرية و السندبادية الطويلة مخترقا أمواجا كالجبال ومارّا بجزر على زعانف الحيتان ، وعاشقا لحوريات البحر الحسان ،  الى أن وصل الى أرض المتة الأرجنتان ( أمريكا الجنوبية ) فيقول واصفا أهلها  :
” بعد أشهر من احتجازنا لديهم أدركنا أنهم لم يكونوا بهذا السوء ، فلقد أطعمونا وأشربونا ولم يبخلوا حتى بالنساء ، الى أن جاء وقت الحصاد . لم نكن نفهم لغتهم ، لكن بقاءنا بينهم لبعض الشهور كان كفيلا بجعلنا نفهم بعض الكلمات والجمل الأساسية ، ولم يكن هناك اي حاجة لان يخبرونا أن وقت الحصاد قد حان ويحتاجون مساعدتنا ، فكان لزاما علينا أن نرد لهم الجميل ، ونساعدهم في هذا العمل الشاق .
لم تكن المتة سنابلا كالقمح أو أعوادا كالذرة ، بل كانت شجيرات صغيرة شبيهة بأشواك الصحراء .
تعلمنا على كل حال كيف تحصد أو تكسر هذه الأغصان ، فتنشر على الأرض في دوائر كبيرة ليدور فوقها حمار يجر وراءه حيلاناً ، فيقطعها الى أجزاء صغيرة ، وهكذا مئات من المرات ، حتى يصبح حالها مع الأوراق المقطعة كحال هذه المتة التي نشربها الآن تماما .
أخيراً ، كانوا يحضرون أكياس الخيش الكبيرة والواسعة فنحشيها بالمعاول والأيدي حتى تمتلىء جيدا ، ثم نخيطها لتنقل بعد ذلك الى الاصطبلات فتكون علفا لمواشيهم من حمر وغنمٍ وبقرٍ سودٍ وبيضٍ وصُفر تسر الناظرين .
بعد شهر من العمل المتواصل ، أصابنا ما أصابنا من النصب والتعب ، فشكروا لنا صنيعنا وأقسموا على مكافأتنا قبل ركوب البحر والعودة الى الديار .
ظننا أنهم سيكافئوننا بالذهب أو الفضة ، لكن أكياس الخيش التي احضروها على ظهور البغال والحمير كانت قد نسفت كل خيالاتنا الواسعة .
لم نشأ أن نكسر خواطرهم عندما طلبوا منا أن نقبل هدية رئيس القبيلة ، وهي بضع أكياس خيش من المتة ، فشكرناهم على حسن الضيافة والكرم والهدايا الثمينة .
  ما بين رفع المرساة وانطلاق السفينة ، أسرعت نحو مؤخرتها حتى القي تحية الوداع الأخير على أهل هذه البلاد الطيبة ” بلاد الأرجنتين أو الأرجنتان ” ، فلوّحت بيدي لآخر مرة ، وصرخت بأعلى صوتي ممازحاً :
” وماذا نفعل بكل أكياس الخيش من المتة في بلادنا ان لم يكن لدينا مواش او دواب ، الا ترون أننا أهل بحر ولسنا أهل صخر؟
فصرخ رئيس القبيلة مشيرا بيده وكانت قد اختفت ملامحه في ضباب صباحي مؤقت  :
” اِنقعوها واشربوا مَيّاتها .. “
ومنذ ذلك اليوم .. وحتى هذا اليوم .. لم أخالف وصية رئيس قبيلة الأرجنتين، فأنقع المتة صباحا ومساءا وفي كل وقت ، وأشربها بمصاصة ذات عقيقة خضراء ، اهداني اياها الرئيس لتبقى ذكرى خالدة.
ولا شك ان في شرب المتة أقوال وأحاديث ومذاهب شتى ، وما اكثر اختلاف علماء المشروب في هذه المسألة .
أما أنا .. العبد الفقير  ، فلم أقف على رأي محدد بعد ، ولا زلت محتارا بين تلاطم أمواج من الآراء المتعارضة بين علماء المتة المشهورين والمغمورين … المتقدمين والمتأخرين .. الى أن يأتيني اليقين .. ولعل في اختلافهم سعة ورحمة لنا أجمعين ،
.. اما ختام ما أقول – وأرجو أن اكون أصبت قرد الحقيقة  :
” أموت وفي نفسي شيء من المتة “
كتبها : نصر الدين خوجة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Don`t copy text!